يعطينا عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه قاعدة عظيمة في معرفة المبتدعين، فقد جاء في الأثر عن عبد الرحمن بن مهدي قال: حدثنا عبد الله بن المبارك عن الأوزاعي قال: قال عمر بن عبد العزيز : [[إذا رأيت قوماً يتناجون في دينهم بشيء دون العامة؛ فاعلم أنهم على تأسيس ضلالة]] والمقصود بالعامة في عهد عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه الذين هم على السنة مع وجود العلماء وظهور الحق.
ومعنى أن تكون المناجاة في أمور الدين دليلاً على تأسيس بدعة وضلالة؛ أن ذلك المتناجى فيه لو كان حقاً لأعلن، فليس المقصود بالمناجاة: التشاور في أمر من أمور الدعوة أو في تبليغ الدعوة، ولكن يتناجون في أمر من أمور الاعتقاد نفسه: فـالخوارج أول ما تكلموا في العلماء وطعنوا فيهم، وقد قالوا عن أبي مجلز وابن عباس: هؤلاء العلماء في ركب السلطان، أي: مع سلاطين بني أمية، فأهل البدع يحجرون أتباعهم عن سماع كلام العلماء، ويعلمونهم ما يشاءون، فالمناجاة في الدين وفي الاعتقاد وفي أصول الإيمان بأمر دون ما عليه عامة الناس في وقت ظهور السنة وإعلانها يكون محلاً للشك.
ثم ذكر أثراً عن حماد بن سلمة قال: قال يونس بن عبيد : [[لا تجالس سلطاناً ولا صاحب بدعة]] .
وفي الأثر الذي بعده قال أحمد بن يونس : قال رجل لـسفيان وأنا أسمع: [[يا أبا عبد الله ! أوصني، قال: إياك والأهواء والخصومة، وإياك والسلطان]].
وفي الأثر المشهور عن ميمون بن مهران أنه ذكر [[ثلاثة ينبغي ألا تقربهم، وإن كنت تظن أن في ذلك خيراً: المرأة، والسلطان، وصاحب البدعة]]، يقول ميمون بن مهران: [[لا تخلون بامرأة ولو أن تعلمها القرآن، ولا تجلس إلى صاحب بدعة ولو أن تناظره، ولا تجلس إلى صاحب سلطان ولو أن تعظه]] والمعنى أن الحذر من ذلك هو الأصل.
ثم ذكر أثراً آخر عن سفيان أنه قال: [[المسلمون كلهم عندنا على حالة حسنة إلا رجلين صاحب بدعة أو صاحب سلطان]] ؛ لأن صاحب البدعة تأتيه بدعته بالشبهات، وصاحب السلطان يغره سلطانه، فيقع في الظلم والجور إلا من رحم الله.
ثم ذكر أثراً آخر عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير قال: [[إذا لقيت صاحب بدعة في طريق؛ فخذ في غيره]] أي: اسلك طريقاً أخرى، حتى لا تضطر أن تسلم عليه أو تكلمه وتنظر إليه.
ثم ذكر أثراً آخر فقال: وقال الفضيل بن عياض : [[من أتاه رجل فشاوره، فدله على مبتدع، فقد غش الإسلام]]، أي: فاحذروا الدخول على أصحاب البدع، فإنهم يصدون عن الحق.
وعن إبراهيم بن ميسرة قال: [[من وقَّر صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام]].
ثم ذكر أثراً بعده فقال: حدثنا عبد الله بن عمر السرخسي عالم الخزر، قال: [[أكلت عند صاحب بدعة أكلة، فبلغ ذلك ابن المبارك رضي الله عنه، فقال: لا كلمته ثلاثين يوماً]] .
وفي الأثر الآخر عن الأعمش عن إبراهيم قال: [[ليس لصاحب البدعة غيبة]] .
وقال الحسن : [[ليس لصاحب بدعة ولا لفاسق يعلن بفسقه غيبة]]، وقال كثير من العلماء: (أهل الأهواء لا حرمة لهم) أي: إذا جاء بعض الناس يقول: اتقوا الله لا تغتابوا العلماء والدعاة، ولا تتكلموا في المسلمين، ونحن نقول: إذا كان هذا داعية أو عالماً من أهل السنة، فيجب عليك أن تتقي الله فيه، ولكن إذا كان من أهل البدع، فليس لأهل البدع غيبة ولا حرمة، بل يجب أن يحذر منهم، لكن ذلك بشرط أن يكون في وقته المناسب، وفي مكانه المناسب وبالأسلوب المناسب. وكذلك الفاسق المجاهر بفسقه.
وقد بين النبي حد الغيبة أنها ذكرك أخاك بما يكره، أي: أخاك المسلم الذي على منهجك من السنة والحق، فتذكره بأمر يكرهه، أما من جاهر بمعاداة الحق وأهله، وأعلن بالذنوب والمعاصي كمن يفتح بنكاً ربوياً فيقال: لا تتكلموا فيه، نقول: كيف هذا وقد فتح بنكاً للربا معلناً؟! لأن من الناس من يأتينا بالورع الكاذب، وهذا الورع الكاذب يريدون أن يبطلوا به كلام أهل السنة، وقد وقع هذا في القرون الأولى فقالوا: كيف تتكلمون عن رجال قد حطوا رحالهم في الجنة منذ سنين؟ وهم لم يقصدوا غيبتهم ولكن ليحفظ الدين وتعرف السنة، والدين أحب إلينا من كل أحد، ومصلحة الشرع مقدمة على كل مصلحة، ومفسدة تقع في الدين أعظم من مفسدة تقع على فرد.
ثم ذكر أثراً عن علي بن المديني رضي الله عنه قال: [[من قال: فلان مشبه؛ علمنا أنه جهمي، ومن قال: فلان مجبر، علمنا أنه قدري، ومن قال: فلان ناصبي؛ علمنا أنه رافضي]] وبهذه الآثار العظيمة نكون قد أتينا على هذا الباب الهام من كتاب اللالكائي .